علامات الاكتئاب وأسبابه

عنوان المقال: علامات الاكتئاب النفسي

الاكتئاب ليس مجرد حالة من الحزن أو التقلبات المزاجية العابرة، بل هو اضطراب نفسي معقّد يتداخل مع طريقة تفكير الإنسان وشعوره وسلوكياته اليومية. تختلف أعراض الاكتئاب من شخص إلى آخر، وتتباين شدتها وتأثيرها بحسب العوامل النفسية والجينية والبيئية، مما يجعل فهم العلامات المبكرة والمؤشرات النفسية أمرًا حاسمًا في التعرّف على الحالة ومن ثم السعي للعلاج.

في هذا المقال المفصل، يتم استعراض العلامات النفسية والسلوكية والجسدية التي تشير إلى وجود اكتئاب، مع التعمق في الأبعاد البيولوجية والمعرفية والاجتماعية التي تؤطر هذه الظاهرة النفسية المعقدة.

أولاً: الاكتئاب كاضطراب نفسي

الاكتئاب (Depression) هو اضطراب في المزاج يصنّف ضمن فئة الاضطرابات النفسية الأساسية، ويتميز بالشعور المستمر بالحزن، فقدان الاهتمام، تراجع الطاقة، واضطرابات في النوم والشهية. يشير الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5) إلى أن الاكتئاب يُشخَّص عندما تظهر أعراض معينة لفترة لا تقل عن أسبوعين، وتتسبب في خلل وظيفي واضح في الأداء اليومي للفرد.

ثانياً: العلامات النفسية للاكتئاب

1. الحزن العميق المستمر

غالباً ما يُعد الشعور بالحزن أكثر العلامات وضوحًا، ولكن في حالة الاكتئاب يكون الحزن عميقاً، مستمراً، وغير مرتبط بأحداث واقعية مباشرة. يكون الحزن هنا شعوراً عاماً بانعدام المعنى وغياب الأمل.

2. فقدان الاهتمام أو المتعة

يعرف هذا العرض باسم Anhedonia، وهو من الأعراض الجوهرية للاكتئاب، حيث يفقد الشخص الرغبة في القيام بأي نشاط كان يستمتع به سابقًا، كالهوايات، العلاقات الاجتماعية، أو حتى الطعام.

3. الشعور بالذنب أو تدني قيمة الذات

من السمات البارزة للاكتئاب شعور عميق بالذنب غير المبرر والاعتقاد بأن الشخص عديم القيمة أو فاشل، حتى لو لم يكن هناك ما يدعو لذلك.

4. التشاؤم وفقدان الأمل

التفكير المتكرر في أن المستقبل مظلم، وأن الأمور لن تتحسن أبدًا، هو أحد المؤشرات الفكرية البارزة لدى الأشخاص المصابين بالاكتئاب، ويرتبط غالبًا بميول انتحارية في الحالات الشديدة.

ثالثاً: العلامات السلوكية والمعرفية

1. بطء الحركة والكلام

يلاحظ بطء في الحديث أو الحركة بشكل عام، وهو ما يعكس انخفاضًا في النشاط النفسي الحركي، وقد يبدو الشخص كما لو أنه يجرّ جسده ويعاني من ثقل نفسي وجسدي دائم.

2. الانسحاب الاجتماعي

يميل الشخص المكتئب إلى العزلة وتجنب التفاعل مع الآخرين، ويشعر بالارتباك أو الإرهاق من العلاقات الاجتماعية مهما كانت بسيطة.

3. انخفاض القدرة على التركيز والتفكير

يعاني المصاب بالاكتئاب من صعوبة في التركيز، اتخاذ القرار، أو حتى تذكر المعلومات، وهو ما يؤثر على العمل أو الدراسة أو حتى الحوار اليومي.

4. السلوكيات القهرية والترددية

يظهر أحياناً لدى المصاب بالاكتئاب سلوكيات تكرارية (مثل فرك اليدين، عض الشفاه، أو التنهد المتكرر) نتيجة القلق الداخلي والضغط النفسي المتزايد.

رابعاً: العلامات الجسدية للاكتئاب

1. اضطرابات النوم

إما أن تكون على شكل أرق شديد (صعوبة في النوم أو الاستيقاظ المتكرر)، أو نوم مفرط (Hypersomnia)، حيث يميل الشخص إلى النوم معظم اليوم كنوع من الهروب.

2. تغيرات في الشهية والوزن

يمكن أن يؤدي الاكتئاب إلى فقدان الشهية والوزن بشكل ملحوظ، أو على العكس إلى الإفراط في الأكل وزيادة الوزن، بحسب نوع الاكتئاب واستجابة الجسم له.

3. الإرهاق الجسدي المستمر

يشكو الأشخاص المصابون بالاكتئاب من تعب دائم لا يزول حتى مع الراحة، ويشعرون بأن أجسادهم مرهقة وغير قادرة على مواصلة الأنشطة المعتادة.

4. الآلام غير المفسرة طبياً

يشير العديد من المصابين بالاكتئاب إلى شعورهم بآلام مزمنة في الظهر، الرأس، أو المعدة، رغم عدم وجود سبب عضوي واضح، وتُعرف هذه بالآلام النفسجسمية.

خامساً: التغيرات البيولوجية المرتبطة بالاكتئاب

1. اختلال كيمياء الدماغ

يرتبط الاكتئاب بخلل في توازن النواقل العصبية مثل السيروتونين، والدوبامين، والنورأدرينالين، وهي مواد تؤثر مباشرة على الحالة المزاجية.

2. ارتفاع مستويات الكورتيزول

يُلاحظ أن الأشخاص المصابين بالاكتئاب يعانون من ارتفاع دائم في هرمون التوتر (الكورتيزول)، مما يؤثر على الجهاز المناعي، ويزيد من مشاعر القلق والتعب.

3. تغيرات في بنية الدماغ

تشير الدراسات العصبية إلى وجود تغيرات في بعض مناطق الدماغ لدى مرضى الاكتئاب، وخاصة في الحُصين (Hippocampus) والفص الجبهي، وهي المناطق المرتبطة بالذاكرة والتحكم في الانفعالات.

سادساً: أنواع الاكتئاب وأعراضه المميزة

سابعاً: تأثير الاكتئاب على الحياة اليومية

الاكتئاب لا يؤثر فقط على المزاج، بل يمتد ليؤثر على الإنتاجية، والعلاقات الاجتماعية، والقرارات المصيرية، والحالة الصحية العامة. قد يتوقف المصاب عن الذهاب إلى العمل، أو يفقد الرغبة في الاعتناء بنفسه، ويصل به الأمر أحياناً إلى التفكير في الانتحار كخلاص نهائي من الألم النفسي.

ثامناً: الاكتئاب المقنّع

يُعد الاكتئاب المقنّع أو المكتوم من الحالات التي يصعب التعرف عليها، حيث لا يُظهر الشخص أعراض الحزن الكلاسيكية، بل يعاني من أعراض جسدية أو سلوكية مثل الغضب الدائم، الآلام المزمنة، الإدمان، أو المشاكل في العلاقات. وقد يتم الخلط بينه وبين أمراض عضوية أو اضطرابات سلوكية.

تاسعاً: العوامل المؤدية إلى الاكتئاب

• عوامل وراثية: وجود تاريخ عائلي للاكتئاب يزيد من احتمالية الإصابة.

• عوامل بيئية: مثل الفقد، العنف، الطلاق، أو التنمر.

• العوامل النفسية: مثل ضعف تقدير الذات أو الميل للكمال المفرط.

• العوامل البيوكيميائية: كما في الخلل بالنواقل العصبية والهرمونات.

عاشراً: الفروق بين الحزن والاكتئاب

أحد عشر: العلاقة بين الاكتئاب واضطرابات أخرى

يرتبط الاكتئاب غالبًا باضطرابات نفسية أخرى مثل:

• اضطرابات القلق العام والقلق الاجتماعي

• الوسواس القهري

• اضطراب ثنائي القطب (في نوبته الاكتئابية)

• اضطرابات الأكل (فقدان الشهية أو الشره)

• الإدمان على المواد

يُعقّد هذا التداخل من عملية التشخيص ويستلزم تدخل طبي دقيق.

ثاني عشر: متى يجب القلق؟

عندما تتجمع معظم الأعراض السابقة وتستمر لأكثر من أسبوعين وتؤثر على الأداء اليومي للفرد، فإن ذلك يشير إلى ضرورة التوجه للمساعدة المتخصصة. التشخيص المبكر والعلاج السليم هما مفتاح الشفاء والعودة إلى التوازن النفسي.

المراجع:

1. American Psychiatric Association. Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders (DSM-5), 2013.

2. WHO – Depression Fact Sheet: https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/depression